لربما لا يرتضي البعض مني هذا العنوان ولا هذا الدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية ولا عن السلطة الوطنية الفلسطينية. وانا اقول بانني في معرض البيان والتحليل اكثر من في معرض الدفاع عن احد. وانني اهدف واريد الاصلاح من وراء هذه الكتابات: الاصلاح لمنظمة التحرير، والاصلاح للسلطة الوطنية، والاصلاح لابناء شعبي العزيز والغالي، والاصلاح لمسارنا السياسي والاقتصادي. فانا بمثابة الطبيب الذي يلزمه معرفة العلة، ويلزمه التشخيص الدقيق كي يتمكن من القدرة على العلاج ، واذا ما صرف دواء يكون والحالة هذه وصفة طبية دقيقة تحارب المرض وتخلص الجسم من تبعاته وآثاره السلبية والقاسية.
ولهذا اقول: رفقا بي يا معشر من تعارضونني، او لا ترتضون وجهة نظري. وانا لا ألزمكم الاخذ بها، ولكن اتمنى عليكم من الاعمال ان تفكروا فيها وتقلبوا الرأي عبرها على اكثر من وجه حتى تصيبوا الهدف بدقة ونتفق جميعا على سياسات الاصلاح للمسيرة برمتها.
وانا حينما أدلي بدلوي واقول كلمتي واعبر عن وجهة نظري وقناعاتي، لا اقول القول جزافا دونما تعليل او تبصر او تفكير عميق. وبالتالي فانني اجزم – وباذن الله – بأنني على صواب ومن يخالفني الرأي هو مخطىء ومجانب للصواب، ولو تحاورنا وقصدنا جميعا المصلحة العامة وتجردنا من الهوى وحظوظ النفس الامارة بالسوء واخلصنا النية لله فاننا سنصل الى اتفاق وخطوط وقواسم مشتركة تكون كلها عوامل وروافع للبناء والتطور والتحسين.
لذا من قرأ لي واراد ان يضيف الى معلوماته او يستفيد او يصل الى الحقيقة فليقرأ بعيدا عن الهوى او التمترس في خندق الرأي المسبق، ليضع جانبا القناعات المسبقة ولنتحاور لاجل الوصول الى الهدف والحقيقة حتى ندلف الى النتائج المرضية والنتائج الحقة. وأنا في كتاباتي انما اكتب ـ ويشهد الله علي – بكل تجرد وموضوعية وبعيدا عن اية تأثيرات جانبية، وانا اقود ولا اقاد، وان كنت في الوقت نفسه لا اتعصب لرأيي البتة، ولست عنيدا ابدا، وانا دوما وأبدا مع الديمقراطية وحرية الرأي وأمقت جدا التعصب الاعمى والدكتاتورية ومصادرة الاراء.
وانا من حيث المبدأ مع المصلحة العامة ومع اهداف شعبي.
في هذه الحلقة اخاطب على وجه التحديد منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح كبرى فصائل المنظمة بشكل خاص قائلا لهم تحت «نصيحة من الاعماق» يجب المسارعة الى المصالحة الوطنية ومحاولة انهاء الانقسام. لان اليوم الذي يمضي دون عودة الامور الى نصابها افضل من الغد. والان من السهل على المنظمة وحركة فتح على وجه الخصوص مراجعة الحساب والنظر الى المستقبل، وهناك فسحة من الوقت. وهذه الفسحة والمساحة والتي هي كبيرة اليوم تضيق يوما اخر، وتخشى ـ لا قدر الله – ان يأتي اليوم الذي يتسع فيه الخرق على الراقع، ولا يسمع لا لقصير – بل لحكيم – رأي. واليوم اذا كان لدي قدرة على ان احوز على ثلاثة ارباع الكعكة فقد لا استطيع ذلك في المستقبل.
وانا حينما تحدث الشارع وتحدث الناس عن الوثائق التي تحدثت عنها محطة الجزيرة تحت عنوان «كشف المستور» واخذت الامور مدى بعديا، هرجا ومرجا ونقاشات ومهرجانات صاخبة وخطبا هنا وهناك.
كنت اقول: ان كل ذلك ليس محل الشاهد ولا هو بيت القصيد، ولا هذا هو الحل. هذه كلها ردات فعل ليست خطة ولا استراتيجية تخرجنا جميعا من هذه الازمة. ولا هذه هي الطريقة المثلى للدفاع عن المفاوض الفلسطيني، ولا هذا هو الاسلوب والانجع للدفاع عن القيادة الفلسطينية. هذه ردات فعل عاطفية لا تسمن ولا تغني من جوع. كالمريض الذي المت به السخونة الشديدة، ونحاول ان نخفف من حدتها بالماء البرد او المسكنات دون ان نذهب الى مضرا. علاج المرض الذي قد نتجت عنه هذه السخونة. اذ السخونة عرض وليست مرضا. ولربما الانسان وهو في ذروة الانفعال لا يسمع لصوت الحكمة، وكذلك الانسان الذي يركن الى العضلات وحدها. ولم يعلم ان قوة الدبلوماسية، وقوة المنطق العدل، وعضلات السماع للاخرين ومحاولة احتوائهم اقوى وافضل وادوم في الميدان من الركون الى عضلات القوة وحدها.
وأنا هنا اقول بأنه يلزمنا كشعب فلسطيني وكقيادة فلسطينية تاريخية راعية للنضال والكفاح والجهاد الفلسطيني منذ ما يقرب من نصف قرن، وهي بمثابة الاب الحاني لكل افراد الاسرة، او الام الرؤوم التي لا تفرق بين ابنائها. يلزم منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح على وجوه الخصوص وقبل اية حركة او فصيل فلسطيني اخر ان تضع كل جهودها في سبيل رأب الصدع الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية وهي قادرة على ذلك. فقد استطاعت حركة فتح ان تستوعب من هو اقسى واصعب من حماس تحت لوائها وجناحها تحت مسمى «منظمة التحرير الفلسطينية، فحركة فتح اضافة لكونها الحركة الام والحركة الاسبق في التكوين والنشوء، فهي الحركة التي لديها النضج والخبرة والاهم من ذلك انها هي المسؤولة والمكلفة بملف الشعب الفلسطيني وهي البيت الفلسطيني الذي يأوي اليها كل افراد الاسرة. ولهذا فعليها ان تأخذ زمام المبادرة وتكون شجاعة وسباقة وطارحة ملف المصالحة بكل قوة وسداد.
وفي تقديري ان لديها القدرة والمكنة في تحقيق هذا الانجاز التاريخي في لم شمل الوطن واعادة اللحمة وانهاء الشرذمة والانقسام لشعبنا ولقضيتنا ووطننا على السواء.
قد نسلم بأن حماسا قد أخطأت في اتخاذ هذه الخطوة التي اقدمت عليها في غزة هاشم، ولا يصح لها ان تصنع ما صنعته، ولا يجوز ان تقدم على ما اقدمت عليه. ولكن الا يصح ان نسأل أنفسنا لماذا اقدمت حماس على هذه الخطوة الخاطئة؟ هل كانت عارية عن الاسباب والعلل، ام كانت هناك اسباب كان من الاجدر ازالة هذه الاسباب والتفاهم عليها وانهاء حالة الاحتقان، وذلك قبل ان تستشري الامور وتتعقد ويتسع الخرق على الراقع. يا قوم: الم نسمع بالمثل الحكيم السائر «داو جرحك لا يتسع»؟.
مهما كان المرض لو يعالج بشكل فوري ومباشر وقبل ان يستفحل يمكن الشفاء منه والتغلب عليه، وانا في تصوري يجب ان نسمع للناس ونحاور الناس ونستمع الى مطالب الناس، ولا نسقط من حساباتنا احدا، فكيف اذا كان هذا جمهورا كبيرا وواسعا وله شعبيته ونفوذه الاجتماعي والسياسي. هل من الحكمة ان تصم آذاننا عما يقوله، بل عما يعانيه ويقلقه ويزعجه ويؤذيه ويقض مضجعه؟ وحتى على فرض كرهي لاحد وعدم حبي له وتمنياتي الا اراه، واحلم بزواله وانهائه، لا بد ان الا اهرب من الواقع وعلي ان أتعامل مع هذا الواقع – حتى ولو كان واقعا خاطئا جدلا – بحكمة ومنطق ومراعاة لظروف الحال، وبالامكان كسب المخالف حتى ولو كان عدوا «ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». وان لم تكسب هذا المخالف فعلى أقل تقدير تحيده ولا تجعل منه عدوا او عدوا كاسرا.
من هنا أقول بأن المصالحة الوطنية ضرورة من ضرورات حياة الشعب الفلسطيني ولازمة للحركة الام قبل ان تلزم اي فصيل آخر. وما صنعته الجزيرة ما هو الا أثر من آثار الانقسام وعرض له. ولو لم يكن هناك انقسام لما رأينا الذي رأيناه ولا سمعنا الذي سمعناه في الجزيرة ولا في غير الجزيرة. ولا ندري الى اين سنصل ان بقي هذا الانقسام المشؤوم، وبقيت هذه الشرذمة، وبقي الخلاف مستفحلا. ولا يجوز ولا يصح بحال ان نترك الساحة الفلسطينية على ما هي عليه . لان هذا الوضع لا يخدم الا اعداء القضية الفلسطينية واعداء الشعب الفلسطيني، وسيستغل هذا الانقسام بابشع استغلال، وسيجيره كل من لا يروق له النجاحات الفلسطينية في الداخل والخارج، لاننا – كما أسلفت في حلقات سبقت – صنعنا نحن الفلسطينيين من خلال القيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير وما انبثق عنها من سلطة وطنية المنجزات الكبيرة والضخمة على الصعد كافة داخلية كانت ام خارجية.
ونحن بإذن الله قاب قوسين او ادنى من اقامة الدولة والوقوف على ابواب هذا المنجز التاريخي والريادي. غير ان الانقسام يضعف مسيرتنا ويعيق تقدمنا، ويعرض منجزاتنا في الداخل والخارج الى الخسارة والضياع، ويشغلنا عما هو اوجب، اذ سننشغل في بعضنا البعض بدل ان نقف صفا واحدا وجبهة واحدة في وجه اعدائنا ومن يتربص بقضيتنا الدوائر. سننشغل في الفعل ضد انفسنا وفي ردات الفعل، وهذا بلا شك مربك كثيرا ومعوق في طريق الوصول الى الاهداف المنشودة والغايات الجليلة، وان لم يعرضها للخطر والزوال فمؤخر لها بكل تأكيد.
واذا استطاعت حركة فتح الوطنية والتي لا تتبنى ايديولوجية تتعارض والدين الحنيف ان توائم وتتحد مع اليسار الفلسطيني واليسار العالمي الا يكون بوسعها حينئذ ان تجد طريقة للتعامل مع حركة حماس والعمل على احتوائها ضمن هيكلية منظمة التحرير او بأية رؤية تراها الحركة الوطنية مناسبة؟ ايهما افضل وأهدأ وأنجع لحركة فتح او تخاصم حركة حماس وبالتالي تضع كما كبيرا وعريضا من ذوي التوجهات الاسلامية والوطنية المؤيدة لحماس في خندق الخصوم المناوئين – ولا اقول الاعداء – ام تجد طريقا للتفاهم مع هذه الحركة، وبالتالي تعمل على وضع السيوف في اغمادها وتثني الرماح التي ستصوب الى صدرها في حالة العداء والخصومة مع هذه الحركة؟ سيما وان حركة حماس شئنا ام ابينا ستجد انصارا ومؤيدين كثر لاكثر من سبب اذكر منها شيئين فقط.
الاول: ايدلوجيتها الاسلامية. وشعوبنا ذات ايدلوجية اسلامية وفطرتها وثقافتها اسلامية ودينية. وبالتالي ستجد حركة حماس اصواتا كثيرة وحناجر ضخمة تؤيدها وتدافع عنها من خلال هذا الاطار. بل ستجد حماس تأييدا قويا تحت هذا الاطار والعنوان حتى من دول كبيرة وغنية وذات نفوذ سياسي على الساحة العربية والاسلامية. وهذا يكسب حماسا يوما اثر اخر قوة على قوة، وتأييدا على تأييد. وكلما عظم نفوذ هذه الحركة كلما كانت ذات قوة ضاغطة اقوى واكبر على الساحة الفلسطينية، وهذا بالتأكيد سيكون على حساب القيادة الفلسطينية التاريخية وجودا وعملا.
الثاني: انها حركة مقاومة. حيث الاحتلال لا يزال جاثما على صدور ابناء هذا الشعب، ولم يعط هذا الاحتلال للقيادة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني ما يرضي شعبه، ولم يبق له ماء وجه ولا كرامة عند ابناء شعبه، مما حدا بالبعض ان يقول عن ثمانية عشر سنة تفاوض مفاوضات عبثية او غير ناجعة. وبالمناسبة انا شخصيا مع التفاوض لانها معركة كمعركة السلاح، بل قد تجدي اكثر من السلاح والعنف، لان حركات المقاومة السلمية لها تأييد عالمي ودولي وتؤتي اكلها اكثر من حركات العنف والقتال.
غير ان الانسان قد لا يستطيع اقناع كل الناس بوجهة نظره، مما يحدو بالاخرين ان يتبنوا وجهة نظر اخرى. وقد يكون ذلك نابعا عن قلة حكمة او نفاد صبر، او عدم توفر رؤية مستقبلية ثاقبة. لكن هذه هي النتيجة. فما الحل وما العمل؟سيما وان قطاعا كبيرا من الفلسطينيين حتى من غير التوجه الاسلامي مع وجهة النظر هذه. اي مقاومة الاحتلال ما دام جاثما على صدورنا . من هنا نقول: ليس من الحكمة او بعد النظر في خلال هذه الظروف معاداة حركة حماس ووضع الرأس في الرأس